سورة النساء - تفسير التفسير الوسيط

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (النساء)


        


{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً (29) وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ عُدْواناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ ناراً وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً (30)} [النساء: 4/ 29- 30].
حرمت الآية الاعتداء على المال والنفس، فلا يحل أكل مال الآخرين بالباطل، وهو الطريق غير المشروع والمأخوذ من أعيان الأموال أو منافع الأشياء ظلما من غير مقابل، ويشمل ذلك كل ما يؤخذ من الأموال عوضا في عقد فاسد أو باطل، كبيع الإنسان ما لا يملك، وثمن المأكول الفاسد غير المنتفع به حقيقة كالجوز والبيض والبطيخ الفاسد، وثمن ما لا قيمة له ولا منفعة معتبرة شرعا كالقرد والخنزير والذباب والدّبور والميتة والخمر وأجر النائحة وآلة اللهو، فمن باع بيعا فاسدا وأخذ ثمنه، كان ثمنه حراما خبيثا، وعليه رده لصاحبه.
لكن يجوز أخذ أموال الآخرين بطريق التراضي في العقود الصحيحة شرعا كالإعارة والهبة والبيع والإجارة، ولكن بالطريق الذي أذن به الشرع لقوله تعالى: {إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ} أي كلوا الأموال من طريق التجارة القائمة على الرضا المتبادل بيعا أو إجارة. وليس كل تراض معترفا به شرعا، وإنما التراضي ضمن حدود الشرع، فلا يحل المال الربوي في بيع أو قرض جر نفعا، ولا المال المأخوذ بالقمار والرّهان من الجانبين، حتى وإن تراضى عليه الطرفان لأن رضاهما مصادم لأمر الشرع الإلهي.
وتمام التراضي: أن يعقد البيع بالألسنة بالإيجاب والقبول، فتنتقل ملكية المبيع للمشتري، ويجب على المشتري الوفاء بالثمن دون تلكؤ، ولا يجوز نقض هذا البيع من أحد الطرفين دون موافقة الآخر، ولا يحل السوم على السوم، والبيع على البيع، والخطبة على الخطبة، لقول النبي صلّى اللّه عليه وسلّم في الحديث المتفق عليه: «لا يسم الرجل على سوم أخيه، ولا يبيع الرجل على بيع أخيه».
وفي حديث آخر: «ولا يخطب الرجل على خطبة أخيه».
ثم حرمت الآية قتل النفس بطريق الانتحار: {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ}.
وقال النبي صلّى اللّه عليه وسلّم في الحديث المتفق عليه: «من قتل نفسه بحديدة، فحديدته في يده، يجأ بها بطنه يوم القيامة في نار جهنم، خالدا مخلدا فيها أبدا».
لأن الاعتداء على النفس اعتداء على صنع اللّه، ولا يملك الإنسان نفسه، كذلك يحرم علينا أن يقتل بعضنا بعضا، فمن قتل غيره فكأنما قتل نفسه، فيستحق القصاص أو الإعدام لأنه اعتدى على الأمة كلها، قال اللّه تعالى: {مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً} [المائدة: 5/ 32] فدم الإنسان على الإنسان حرام إلا من ارتد أو زنى وهو محصن أو قتل عمدا. وعقوبة قاتل النفس عمدا وظلما في الآخرة:
هو إصلاؤه نار جهنم وإدخاله فيها إلا أن يتوب، وبئس المصير المشؤوم الذي يرجع إليه هذا القاتل المعتدي، وذلك العقاب أمر سهل يسير على اللّه، لأنه القادر على كل شيء.
ثم أورد اللّه تعالى آية أخرى عقب ذلك فقال:


{إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً (31)} [النساء: 4/ 31].
والمعنى: إن تتركوا أيها الناس المعاصي الكبائر، يغفر اللّه لكم الذنوب الصغائر، ويدخلكم مكانا طيبا مكرما وهو الجنة. والكبائر: هي كل معصية اقترنت بالوعيد الشديد، أو أوجب الشرع عليها حدا من الحدود المقدرة في الكتاب والسنة، وفي حديث الصحيحين عن أبي هريرة تعداد الكبائر، قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «اجتنبوا السبع الموبقات: الشرك بالله، وقتل النفس التي حرّم اللّه إلا بالحق، والسحر، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات».
ولا كبيرة مع الاستغفار، ولا صغيرة مع الإصرار، والذنوب الصغائر: هي التي لم تقترن بوعيد شديد أو بحدّ مقدر، كالنظر إلى امرأة أجنبية غير محرم، والقبلة.
واجتناب الكبائر يكفّر الصغائر إذا تم ذلك بالقدرة والاختيار لا بالإكراه، وكان الممتنع عن الكبيرة يؤدي الفرائض من صلاة وصيام وحج وزكاة وغيرها.
الحث على العمل وإعطاء الحقوق لمستحقيها:
اعتنى الإسلام الحنيف بتطهير الظاهر والباطن لكل إنسان، فكما أن اللّه حرم أكل أموال الناس بالباطل وقتل النفس، وذلك من الأفعال الظاهرة لتطهير الظاهر والمحسوسات، كذلك حرم ما تنطوي عليه النفوس من أمراض فتاكة ضارة كالحسد والحقد والبغضاء، وتمني أخذ ما لدى الآخرين من نعم وثروات، وما فضل اللّه به بعض الناس على بعض من الجاه والمال.
قال اللّه تعالى:


{وَلا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَسْئَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً (32)} [النساء: 4/ 32].
نزلت هذه الآية بسبب أن النساء قلن: ليتنا استوينا مع الرجال في الميراث، وشركناهم في الغزو، أي الجهاد، وقال الرجال: ليت لنا في الآخرة حظا زائدا على النساء، كما لنا عليهن في الدنيا، فنزلت الآية.
وقال ابن عباس: أتت امرأة النبي صلّى اللّه عليه وسلّم فقالت: يا نبي اللّه، للذكر مثل حظ الأنثيين، وشهادة امرأتين برجل، أفنحن في العمل هكذا؟ إن عملت المرأة حسنة كتبت لها نصف حسنة، فأنزل اللّه: {وَلا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ} الآية.
يتبين من سبب النزول المذكور أن الأطماع البشرية هي المسيطرة على النفوس، فالمرأة تريد مساواة الرجل في كل شيء، ولو كان ذلك مغايرا للطبيعة الإنسانية، أو فيه جور وظلم، وإخلال بميزان النفقات المقرر في هذه الشريعة، حيث إن الرجل هو المكلف بعبء الإنفاق على الأسرة، ولا تكلف المرأة بشيء من النفقة.
وبما أن الشرع حكم عدل محايد، فقد نهانا اللّه تعالى أن يتمنى كل إنسان منا ذكرا كان أو أنثى ما فضل اللّه به غيره عليه، بل الواجب على كل منا أن يعمل ويكتسب ويجد ويجتهد، ويتقن عمله، ويحسن القصد والنية، ويعمل في المجال المناسب لطبيعته، فالرجل بتكوينه هو الذي يجاهد، والمرأة بحكم أنوثتها وضعفها لها مهام أخرى في التربية وإعداد الأجيال ورقابة الأولاد من الانحراف، ولا يجوز التحاسد، لأن ذلك التفضيل بين المرأة والرجل قسمة مقدرة من اللّه، صادرة عن حكمة وتدبير سديد، وعلم بأحوال العباد، وبما يصلح له كل شخص من بسط الرزق له أو تقتيره عليه، قال اللّه تعالى: {وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ ما يَشاءُ إِنَّهُ بِعِبادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ (27)} [الشورى: 42/ 27].
فعلى كل إنسان أن يرضى بما قسم اللّه له، ولا يحسد غيره، لأن الحسد أشبه شيء بالاعتراض على من أتقن كل شيء وأحكمه. والتفضيل بين الجنسين الذكر والأنثى يشمل النواحي الخلقية البدنية، والقدرات والمواهب والخبرات، فليس من المعقول أن يتمنى الإنسان أن يكون كغيره قوي البنية أو صحيح الجسم، ذكرا أو أنثى، ويسلب غيره تلك القدرة، وليس من اللائق طلب التساوي في المواهب والخبرات والمعارف كالعلم وتحصيل المال أو الجاه مثلا، ويحرم غيره منها، ولكن على الإنسان أن يطلب من اللّه وحده الخير والإحسان والنعم الكثيرة: {وَسْئَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ} واللّه عليم بما يحقق المصلحة لكل إنسان، فلا يجوز أن يتمنى أحد زوال ما لدى الآخرين من نعمة، وأن تكون إليه، وهذا هو الحسد: وهو تمني ما لدى الآخرين من النعم، أما الغبطة وهي أن يكون لكل واحد مثل ما لغيره دون زوال النعمة عنه فهي جائزة، فالله سبحانه مقسم الأرزاق ومصدر الفضل والإحسان، يعطي من يشاء، ويمنع من يشاء، لحكمة ومصلحة للعبد نفسه.
ثم أوصى اللّه تعالى بإعطاء الحقوق لأصحابها، فقال:

2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9